التزامات المقاول في عقد المقاولة

لما كان المقاول في عقد المقاولة هو العنصر الأساسي الذي يتجسد من خلال عمله النتيجة النهائية ومآل العقد، وحيث أن عقد المقاولة هو من العقود الملزمة للجانبين، فإنه بالنظر الى طبيعة التزام المقاول، فعليه أن يبذل قصارى جهده في تتويج بنود العقد ليجعلها واقع، وفي سبيل ذلك يلتزم ببذل الإمكانيات الفنية ذات الصلة، والالتزام بأصول الصنعة وبكافة المعطيات الهندسية والإنشائية، وإذ يستحق المقاول مقابل عمله الأجر المتفق عليه، فإنه يقع على عاتقه أيضا احترام بنود التعاقد والتقيد بالمواعيد التي يتعين ليه إنجاز عقد المقاولة خلالها. ومن هذا المنطلق، فإننا وقبل الولوج في عناصر المقال، نوضح أنها تقوم على بيان ماهية التزام المقاول وخضوعه لأحكام المسئولية العقدية وما ينطلي عليها من استثناءات، إضافة آثار تلك المسئولية وأخصها التزام المقاول بالضمان عن الأعمال الإنشائية المنفذة بواسطته، وأخيرا ملخص بسيط لالتزامات المقاول.

ما هي التزامات المقاول في عقد المقاولة؟

حيث عرفت المادة (646) من القانون المدني المصري عقد المقاولة بالآتي:

“المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً أو أن يؤدى عملا لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر.”

ويعتبر الالتزام الرئيسي الذي ينجم عن عقد المقاولة والواقع على عاتق المقاول هو إنجاز العمل الذي تعهد القيام به، فالمقاول ملزم بأن يقوم بإنجاز العمل طبقا للشروط والمواصفات المتفق عليها وكذلك للشروط التي تستلزمها أصول الصنعة وتقاليدها، وقد يقوم المقاول بالتعاقد من الباطن لغرض إتمام العمل مع عدة مقاولين من الباطن إذا كانت طبيعة العمل موضوع المقاولة تسمح بذلك، والعمل يعد منجزا من قبل المقاول رغم استعانته في إنجازه بمقاول آخر، وإذا كان الحال كذلك فكلاهما يعد مقاولاً في حدود الأعمال التي يقوم بها، ويكون ملتزما بالضمان في هذه الحدود، فلا يكفي القول بوجود مقاولة من الباطن في حالة أن يبرم المقاول الأصلي عقد مقاولة فرعي، بل لا بد أن يرتبط العقد الفرعي بالعقد الأصلي، وذلك بأن يشترك المقاول من الباطن في تنفيذ العقد الأصلي كليا أو جزئيا.

وهذا ما أوضحه نص المادة (661) من القانون المدني المصري، حيث نصت على أنه:

  1.  يجوز للمقاول أن يوكل تنفيذ العمل فى جملته أو فى جزء منه إلى مقاول من الباطن، إذا لم يمنعه من ذلك شرط فى العقد أو لم تكن طبيعة العمل تفترض الاعتماد على كفايته الشخصية.
  2. ولكنه يبقى فى هذه الحالة مسئولا عن المقاول من الباطن قبل رب العمل.

ويتضح من المادة سالفة البيان أنه ليس بالضرورة أن يكون مقاولا واحدا هو الذي يضطلع بمهمة إقامة المنشآت وإنجاز المشروع ككل، بل يجوز أن يعهد رب العمل لعدة مقاولين بالعمل، فيعهد الى مقاول معين بوضع الأساس وأعمال البناء الأخرى من أرضيات وأسقف وحيطان وغيرها، وإلى مقاول ثان بأعمال النجارة مثلا، والى ثالث بأعمال الحدادة.. الخ..

وينتهي التزام المقاول من الباطن بالضمان بمجرد أن يتسلم المقاول الأصلي العمل، ويتمكن من فحصه وكشف ما به من عيوب، فإذا ظهرت عيوب خفية بعد ذلك فلا يكون المقاول من الباطن مسؤولاّ في المدة التي يقضي بها العقد أو العرف. وعلى ذلك لا يكون المقاول من الباطن مسؤولا مباشرة نحو رب العمل، بل يبقى مسؤولا نحو المقاول الأصلي.

ويتعين ملاحظة أن العقد الذي يربط المقاول الأصلي بمستخدميه هو عقد عمل وليس عقد مقاولة ولذلك لا يعد هؤلاء مقاولين ثانويين.

طبيعة مسؤولية المقاول

مسؤولية المهندس والمقاول هي مسؤولية عقدية لأنها ناشئة عن الإخلال بالتزام عقدي، وذلك سواء تم النص على هذا الالتزام صراحة في العقد أو لم ينص، لأن هذا الالتزام يترتب على كل عقد مقاولة بنص القانون. فكلا من المقاول والمهندس يلتزمان بتعويض الضرر الذي يمكن توقعه إذا تحققت مسؤوليتهما، ويلتزمان بتعويض رب العمل عن الضرر الذي لحقه من جراء التهدم في البناء أو وجود عيب فيه. يشمل التعويض وفقا للقواعد العامة ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب، ويشمل التعويض النفقات اللازمة لإعادة البناء إذا كان قد تهدم كله أو لإعادة بناء الجزء المتهدم أو إصلاح العيب، حيث لرب العمل الحق في التعويض عن ذلك أيضا، ولكن التعويض يجب أن يقتصر على الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد، فلا يشمل الضرر غير المتوقع إلا إذا ثبت غش أو خطأ جسيم في جانب المسؤول.

إلا أنه وبالرغم من ذلك، فقد تكون مسؤولية المقاول هي مسؤولية تقصيرية، وذلك إذا ما أثبت صاحب العمل أن المقاول قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما أثناء تنفيذ العقد، وهنا يخضع الأخير لمظلة المسؤولية التقصيرية، وتتجاوز مسؤوليته نطاق المسؤولية العقدية سواء قد تم الاتفاق عليها أو الإعفاء منها في العقد.

كما أن صاحب العمل أو الغير يستطيع توجيه سهام المسؤولية التقصيرية إلى المقاول إذا ما تم إقامة الدليل على أن هناك إهمال واضح من المقاول في اتخاذ الاحتياطيات الفنية الضرورية لحماية المباني المجاورة، مما يؤدي إلى تصدعها أو انهيارها جزئيا أو كليا.

ضمان المقاول الأصلي والمقاول من الباطن لعيوب البناء:

نصت المادة (651) من القانون المدني على الآتي:

  1. يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيدوه من مبان أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى وذلك ولو أن التهدم ناشئا عن عيب في الأرض ذاتها، أو أن العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، ما لم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد أرادا أن تبقى هذه المنشآت مدة أقل من عشر سنوات.
  2. ويشمل الضمان المنصوص عليه في الفقرة السابقة ما يوجد في المباني والمنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته.
  3. وتبدأ مدة السنوات العشر من وقت تسلم العمل، ولا تسري هذه المادة على ما قد يكون للمقاول من حق الرجوع على المقاولين من الباطن.”

ومفاد ذلك أن كل مقاول من الباطن بجانب أنه يعد مقاولا مستقلا في حدود الأعمال التي يقوم بها، يكون ملتزما أيضا بالضمان الخاص في هذه الحدود، فالمقاول يعد صانعا وهو يؤدي عملا تجاريا وقد يورد المواد المستخدمة في البناء، وقد يقدم الأيدي العاملة اللازمة لتنفيذ عملية البناء أيضا، وهو يرتبط مع رب العمل بعقد مقاولة، فمهمة المقاول الرئيسية تتمثل في إقامة المنشآت وفقا للنماذج والرسومات والتصميمات الموضوعة من قبل، بما يتضمنه ذلك من إدارة تنفيذ الأعمال وحراسة المواد والأدوات، كما أن عقد المقاولة من الباطن هو العقد الذي بمقتضاه يتعامل المقاول الذي عهد إليه بتنفيذ عمل مع مقاول آخر، من أجل تنفيذ هذا العمل ككل أو في جزء منه.

الأعمال التي تترتب عليها مسؤولية المقاول:

  • الالتزام الرئيسي الذي يترتب في ذمة المقاول هو الالتزام بإنجاز العمل، وهذا الالتزام ينطوي على واجبات يتعين على المقاول أن يقوم بها، فإذا أخل بهذه الواجبات تحمل الجزاء الذي يرتبه القانون على هذا الإخلال، وحتى يقوم المقاول بتنفيذ التزامه من إنجاز العمل يجب عليه أن ينجزه بالطريقة الواجبة.
  • وأن يبذل في إنجازه العناية اللازمة، لأن الالتزام بإنجاز العمل في عقد المقاولة إما أن يكون التزاما بتحقيق غاية، أو أن يكون التزاما ببذل عناية. فإن كان التزاما بتحقيق غاية فلا يبرأ المقاول من التزامه إلا إذا تحققت الغاية وأنجز العمل المطلوب، ولا يكفي في تلك الحالة أن يبذل في القيام بذلك عناية الشخص المعتاد أو أكبر عناية ممكنة. فما دام العمل لم يتم إنجازه فإن المقاول يكون مسؤولا، ولا تنتفي مسؤوليته إلا إذا أثبت أن الضرر يرجع لسبب أجنبي، وانتفاء مسؤوليته في هذه الحالة إنما يأتي من نفي علاقة السببية لا من نفي الخطأ.
  • أما إذا أنجز العمل طبقا للشروط والمواصفات المتفق عليها ولأصول العمل يكون قد أتم تنفيذ التزامه، وعليه أن ينجز العمل في المدة المتفق عليها أو المدة المعقولة وطبقا للشروط الواردة في العقد.
  • وإذا لم تكن هناك شروط متفق عليها وجب اتباع العرف وبخاصة أصول الصنعة والفن تبعا للعمل الذي يقوم به المقاول. أي يجب على المقاول أن يلتزم في إنجاز الأعمال المعهود بها إليه الالتزام بإنجاز العمل في المدة المتفق عليها أو في المدة المعقولة كالتزام بتحقيق غاية وليس التزاما بمجرد بذل عناية.

وفي ضوء نصوص القانون المدني يمكن توضيح التزامات المقاول بهذا الصدد في النقاط التالية:

المسؤولية عن جودة مادة العمل:

إذا تعهد المقاول بتقديم مادة العمل كلها أو بعضها، وهي المواد الأولية، كان مسؤولا عن جودتها وفق شروط العقد أو العرف الجاري وأصول الصنعة.

الحفاظ على مصلحة صاحب العمل:

إذا قدم صاحب العمل مادة العمل، وجب على المقاول الحرص عليها ومراعاة الأصول الفنية في صنعها، ورد ما بقي منها لصاحبها، لأنه أمين على مصلحة صاحب العمل. فإن أهمل أو قصر وأدى ذلك إلى تلف تلك المواد أو تعيبها أو فقدانها، فعليه ضمانها.

تقديم ما يحتاجه إنجاز العمل من آلات وأدوات:

على المقاول أن يأتي بما يحتاج إليه في إنجاز العمل من آلات وأدوات إضافية على نفقته، ما لم يقض الاتفاق أو العرف بغير ذلك.

إنجاز العمل بحسب شروط العقد:

يجب على المقاول إنجاز العمل وفقا لشروط العقد. فإذا أخل بشرط منها جاز لصاحب العمل طلب فسخ التعاقد في الحال إذا تعذر إصلاح العمل. وأما إذا كان إصلاح العيب ممكنا، كان لرب العمل إنذار المقاول بالتصحيح في أجل معقول. فإذا انقضى ذلك الأجل دون إتمام التصحيح، جاز له أن يطلب من القاضي فسخ العقد أو الترخيص له بالاستعانة بمقاول آخر لإتمام العمل على نفقة المقاول الأول.

تنفيذ العمل في الآجال المحددة بعقد المقاولة:

يقوم هذا الالتزام على وجوب تنفيذ المقاول العمل المكلف به بإنجاز العمل في الفترة المتفق عليها بالعقد دون تأخير. والتزام المقاول في هذا الصدد سواء كانت الأعمال محل التنفيذ هي الأعمال الرئيسية أو الأعمال الإضافية التي تنفذ بناء على أوامر تغييرية تصدر من صاحب العمل أو من يمثله. وكل ما يكون للمقاول في حال صدور أوامر تغييرية أن يطلب تمديد الوقت كتابة من صاحب العمل، وليس له أن يطالب بالتعويض بحجة أن التأخير راجع إلى صاحب العمل.

وبهذه المناسبة، نشير إلى أن المقاول لا يستحق أجرا إضافيا في حالة صدور أوامر تغييرية إذا كان إبرام العقد بأجر إجمالي على أساس التصميم، حيث تنص المادة (658) من التقنين المدني على أن:

“إذا أبرم العقد بأجر إجمالي على أساس تصميم اتفق عليه رب العمل فليس للمقاول أن يطلب زيادة في الأجر، ولو حدث في هذا التصميم تعديل أو إضافة، إلا أن يكون ذلك راجعا إلى خطأ من رب العمل، أو يكون مأذونا به منه، واتفق مع المقاول على أجره.”

ضمان الضرر أو الخسارة:

يضمن المقاول ما قد يتولد عن فعله أو صنعه من ضرر أو خسارة يتمثل في تهدم المنشآت أو المباني المشيدة، سواء أكان بتعديه أو بسبب تقصيره، لأنه يعد كالأجير المشترك، أي ضامن لما يسلم إليه من أموال الناس.