إن العقد بشكل عام هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء إلتزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه، وعلى ذلك فطائفة “العقود المسماة” في تطور مستمر، فقد يصبح عقدا معينا من الشيوع بأهمية إلى درجة توجب تنظيمه، فيتدخل المشرع منظما له، مثل “عقد المقاولة” موضوع البحث في هذه المقالة.
أولًا: المفهوم العام لبطلان العقود
البطلان هو الجزاء الذي قرره القانون عند تخلف ركن من أركان العقد مثل التراضي، أو الشكل في العقود الشكلية، وكذلك المحل أو السبب، وكذلك يبطل العقد لو فقد شرطا من شروط صحته مثل “الأهلية” للمتعاقد أو سلامة الإرادة، والعقد الباطل هو العقد الذي لا تتوافر فيه مقومات وشروط العقد الصحيح، فلا يقوم العقد صحيحا إلا إذا استجمع أركان إنعقاده من رضا ومحل وسبب وشكل في حالة إشتراط القانون أو الإتفاق شكل محدد للإنعقاد.
ثانيًا: الفارق بين بطلان العقد وعدم نفاذه
العقد غير النافذ هو عقد صحيح فيما بين أطرافه وينتج كافة آثاره القانونية بينهما، ولكنه لا ينفذ في مواجهة الغير، والمقصود بالغير في أحكام القانون هو كل أجنبي عن العقد وليس طرفا فيه.
ثالثًا: الفارق بين بطلان العقد وفسخه
الفسخ هو الجزاء الذي يرتبه القانون على عدم تنفيذ أحد طرفي التعاقد لإلتزامه، فالعقد ينشأ صحيحًا وينتج آثاره بين طرفيه، إلا أن أحد أطرافه لا يقوم بتنفيذ إلتزامه فيكون للمتعاقد الآخر طلب فسخ العقد، لكي يتحلل مما عليه من إلتزامات.
وينقسم البطلان إلى نوعين هما: البطلان النسبي والبطلان المطلق:
في حالة تخلف أحد أركان العقد يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا، وذلك لخطورة العيب الذي شابه، أما في حالة تخلف شرط من شروط الصحة، يكون البطلان نسبيا، وذلك لأن العيب الذي شاب العقد أقل خطورة ويكون العقد قابلا للإصلاح والإجازة من قبل المتعاقدين.
كما أن العقد الباطل بطلانا مطلقا يعتبر غير موجودا قانونا فهو والعدم سواء، لتخلف ركن أو أكثر من أركان إنعقاده، ومثال على ذلك إذا انعدم الرضا أو تخلف المحل أو السبب، أو كان غير مشروعا أو إذا لم يتخذ العقد الشكل الذي اشترطه القانون أو الاتفاق لإنعقاده، والعقد الباطل بطلانا نسبيا يعتبر صحيحا وتترتب عليه كافة آثاره، إلا أنه يكون معيبا ويمكن أن يقضى ببطلانه.
وعلى ذلك يمكن تحديد البطلان ما إذا كان مطلقا أو نسبيا من وجهة أخرى، وهي طبيعة المصلحة محل الحماية، فالبطلان المطلق يتقرر إذا انطوت على إبرام العقد مخالفة قاعدة تستهدف حماية مصلحة عامة، ويتقرر البطلان النسبي إذا انطوى العقد على مخالفة قاعدة تستهدف حماية مصلحة خاصة.
رابعًا: مسببات البطلان النسبي لعقد المقاولة
أ- الغلط في شخص المقاول:
إن الغلط في شخص المقاول لا ينبغي أن يكون له تأثير في العقد إلا إذا كانت شخصية المتعاقد التي وقع فيها الغلط هي محل الاعتبار، وعلى ذلك إذا وقع الغلط في ذات المقاول أو في صفة من صفاته، وكانت تلك الذات أو الصفة تمثل السبب الوحيد أو السبب الرئيسي للتعاقد، فقد يبطل العقد بسبب تخلف تلك الصفة، ويمكننا القول أن شخصية المقاول إذا لم تكن محل اعتبار في عقد المقاولة فإن الغلط فيها لا يؤثر على التعاقد ويبقى العقد صحيحًا ونافذًا.
ويتحقق ذلك في حالة اتفاق رب العمل والمقاول على عدم جواز الأخير بأن يعهد بالعمل المكلف به إلى مقاول آخر وهذا ما يسمى بالشرط المانع، وقد يحدث المنع في عقد المقاولة بإدراج شرط فيه، كما قد يحدث المنع بعد إبرام عقد المقاولة وذلك باتفاق لاحق بين الطرفين، كما ورد في المادة رقم (666) من القانون المدني المصري حيث نصت على أن:
“ينقضي عقد المقاولة بموت المقاول، إذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار في التعاقد، فإن لم تكن محل اعتبار فلا ينتهي العقد من تلقاء نفسه، ولا يجوز لرب العمل فسخه في غير الحالات التي تطبق فيها المادة (663)، إلا إذا لم تتوافر في ورثة المقاول الضمانات الكافية لحسن تنفيذ العمل.”
وهناك استثناء يتمثل في القرينة القانونية التي انفرد المشرع بإقامتها والتي تكون بموجبها شخصية المقاول محل اعتبار في العقد الذي يبرمه بالتماثل مع الأشخاص الذين يمارسون مهنًا حرة، كالتعاقد مع الطبيب والمهندس والفنان والمعماري، وفي سائر الأحوال الأخرى وبخاصة في أعمال المقاولات الكبيرة يكون المفروض أن الاعتبار الأول في التعاقد يتعلق بالمكانة التي وصل إليها اسم المقاول في السوق، لا لصفات المقاول الشخصية.
ب- الغلط في المادة المقدمة لإنجاز العمل:
قد يقتصر تعهد المقاول بتقديم عمله فقط، على أن يقدم رب العمل المادة التي يستخدمها أو يستعين بها المقاول في القيام بعمله، كما نصت المادة (647) من القانون المدني على أن:
“يجوز أن يقتصر المقاول على التعهد بتقديم عمله، على أن يقدم رب العمل المادة التي يستخدمها أو يستعين بها في القيام بعمله.”
كما يجوز أن يتعهد المقاول بتقديم العمل والمادة معًا.
وأوضحت المادة (648) من ذات القانون أنه يجب أن تكون المواد المستخدمة صالحة وطبقًا للمواصفات المتفق عليها، حيث نصت على أن:
“إذا تعهد المقاول بتقديم مادة العمل كلها أو بعضها، كان مسؤولا عن جودتها وعليه ضمانها لرب العمل.”
وبما أنه يمكن أن يكون تقديم المواد المستخدمة في العمل من قبل المقاول أو من قبل رب العمل، فيتعين هنا التفرقة بين كلا الحالتين، وما قد يترتب على الغلط في مادة العمل بخصوص كل حالة على حدة كالتالي:
1- الغلط في المادة المقدمة من قبل رب العمل:
قد يكون رب العمل هو الذي يقدم المادة للمقاول كأن يكون قدم مثلا الأسمنت للمعماري، أو الخشب للنجار، أو الأرض لمقاول البناء، الخ. فعليه أن يقدم المادة طبقا للمواصفات المتفق عليها في العقد. فإذا وقع غلط في صفة للشيء تكون جوهرية في نظر المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك للظروف التي تم فيها العقد، ولما ينبغي في التعامل من حسن النية، يعتبر الغلط في تلك الصفات الجوهرية في مادة العمل غلطا يعبر عن عدم تنفيذ رب العمل للمتفق عليه بشروط وبنود التعاقد. ومن الممكن أن يؤدي هذا الغلط إلى إمكانية طلب إبطال العقد من قبل المقاول كونه الطرف الثاني في العقد.
2- الغلط في المادة المقدمة من قبل المقاول:
فعلى سبيل المثال، قد يتعاقد شخص مع نجار على أن يصنع له أثاثا، ويقدم النجار الخشب من عنده، وهذا ما يحدث غالباً. كما يمكن أن يتعاقد شخص مع صانع سفينة، ويقدم الأخير الخشب والمواد اللازمة لصنع السفينة. في كل هذه الحالات، يجب على الصانع أو المقاول أياً كان أن يقدم المادة بالمواصفات المتفق عليها طالما هي صفات جوهرية بتلك المواد وتم الاتفاق بشأنها. وإذا لم يفعل ذلك، يلحق بالعقد بطلان نسبي بسبب الغلط بخصوص مادة العمل بسبب المقاول. وبالتالي، يحق في تلك الحالة لرب العمل طلب إبطال العقد للغلط في المواد المستخدمة.
ج- الغلط في الحساب:
إن مجرد الغلط في الحساب أو الغلط المادي لا يؤثران في نفاذ عقد المقاولة. وإنما يجب تصحيح هذا الغلط. فقد يقع غلط في الحساب فيكون غلطاً مادياً، مما يستوجب الأمر بتصحيحه دون أن يكون له أثر على نفاذ العقد. حيث يكون عقد المقاولة نافذاً رغم وجود هذا الغلط. فمثلاً، في المقايسة التي يقدمها المقاول والتي تشتمل على تفاصيل المواد وأجزاء العمل والأسعار، قد يغلط المقاول في حساب بعض تلك الفقرات كأن يغلط في إحدى عمليات الحساب. في هذه الحالة، تكون المقاولة صحيحة على أن يصحح الغلط في الحساب ويدون الرقم الصحيح بدلاً من الرقم الذي وقع فيه الغلط.
خامسًا: أثر الغلط في عقد المقاولة
إن بمقتضى القواعد العامة، في حالة ما إذا وقع أحد المتعاقدين في غلط، فإن العقد يكون موقوفاً على إجازة العاقد الذي تقرر الوقف لمصلحته. فإذا أجازه فيعتبر حينها العقد نافذاً، وله أن ينقضه أيضاً في حالة عدم إجازته لذلك الغلط. كل ذلك يكون خلال مدة ثلاثة شهور من علمه بهذا الغلط، وفي كل الأحوال يؤدي الغلط للبطلان النسبي، أي أن يكون عقد المقاولة في هذه الحالة قابلاً للإبطال في حالة عدم إجازة الطرف الآخر، ومن ثم إمكانية أن يطالب ذلك الطرف بإبطال العقد.